وقد ذكر
شيخ الإسلام أن الذين يوجبون الاستثناء يقولون: إن هذا هو قول السلف، فنقول: نعم هناك من السلف من كان يرى الاستثناء؛ لكن ليس هذا التعليل وهذا المأخذ الذي بنيتم عليه قولكم من كلام السلف، ولا كان هذا هو رأيهم، فقد اشتهر عند هؤلاء المتأخرين من
الكلابية الأشعرية : أن السلف يستثنون في الإيمان، وهذا حق وارد عن بعضهم كما ذكرنا، فأرادوا أن ينتصروا لمذهب السلف من غير وجهه؛ ولهذا يقول
شيخ الإسلام رحمه الله: إن كثيراً ممن يتصدى لنصرة دين الإسلام لا يكون عليماً ولا عارفاً بمذهب السلف، ولا عارفاً بمأخذه، ولا بوجه استدلاله، فيستدل له من عنده فيكون قد استدل على الحق بدليل باطل، فيؤدي هذا إلى فتنة المخالف، فيأتي المخالف فيقول: هذا الدليل باطل.وإلى الآن وهذا الأمر موجود، فكثير من طلبة العلم يعلم أن بعض العلماء في القديم أو الحديث يقولون بكذا، وهذا الأمر واضح، فيرى أن حكم هذا الأمر هو الحرمة أو الوجوب، أو يرى أن هذا الحديث مثلاً صحيح أو ضعيف، ويأتي هذا التابع أو التلميذ فيعلل بتعليل من عنده وليس من تعليل ذلك الشيخ، فيأتي الآخر فيقول: ما دام هذا التعليل كذا فهذا باطل، فيصر على أنه حرام وهو حلال في الحقيقة، أو أن الحديث ضعيف وهو صحيح في الحقيقة؛ لأنه لما رأى ضعف الدليل فإنه استنتج ضعف المدلول، فهذا أصل مهم جداً، فكل منا لا بد أن يهتم وأن يدافع عن عقيدة الإسلام، وعن الحق، ولا ينبغي لشخص أن يدافع عن الحق وهو لا يعرف الاستدلال عليه، وإن كان هو الحق لا شك فيه؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يستظهر عليه أهل الباطل، فيظهرون على ضعف الدليل، ويستدلون به على بطلان المدلول والدعوى. يقول: (ليس هذا قول السلف، ولا كان يعلل بهذا من يستثني من السلف في إيمانه) إذاً: فليس قول السلف هو وجوب الاستثناء مطلقاً، ولا كان من يستثني من السلف من كان يعلل استثناء بهذه التعليلات التي تزعمون، والكلام فاسد، واستدل على ذلك بآية، هذا الاستدلال وجاهته ظاهرة، وهو قوله تبارك وتعالى: ((
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ))[آل عمران:31]، قال
الحسن البصري رحمه الله تعالى وغيره من السلف ادعى قوم محبة الله، وممن ادعى ذلك
اليهود و
النصارى فقد قالوا: ((
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ))[المائدة:18] وكذلك المشركون، ويدعون أنهم يعظمون شعائر الله، وكعبة الله، وحرمات الله.. وهكذا، فالدعوى سهلة وكل يدعيها، فأنزل الله آية امتحان: ((
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ))[آل عمران:31].يقول الشيخ: (فأخبر أنه يحبهم إن اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم شرط المحبة، والمشروط يتأخر عن الشرط) عند جميع العقلاء. فالآية هذه تبين فساد قولهم؛ فهم يقولون: إن الله الآن يحب هذا الكافر؛ لعلمه أنه سوف يسلم، فنقول نعم، فالله تعالى يقول: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فتترتب المحبة على الاتباع، فهو الآن لم يتبع فهو مبغض، فإن اتبع أحبه الله، فإذا وقع منه الاتباع نال المحبة، فدائماً يكون المشروط متأخراً عن الشرط، وغير ذلك من الأدلة كما ذكرنا في حديث الفرح وغيره.فالمهم أن قولهم هذا ليس هو مذهب السلف، ولا مأخذ السلف القائلين بالاستثناء، ولا يقولون بوجوبه، فحينما تناقضوا واضطربوا تبين لنا أن هذا ليس من كلام السلف؛ لأن السلف الصالح لا يتناقضون ولا يضطربون أبداً.